من عهد الخلفاء والتابعين
الاثنين، 28 يونيو 2021
ابن سينا الشيخ الرئيس من أعلام الطب المسلمين
ابن سينا هو اسم الكنيه للعالم المسلم الطبيب أبو على الحسين بن عبدالله بن الحسن بن على ابن سينا ثم اختصره العالم الغربي فصار باللغة اللاتينيه ( Avicenna ) .
السبت، 26 يونيو 2021
عباس بن فرناس العالم الطائر
عباس قاسم بن فرناس بن ورداس التاكرنى
هو صاحب أشهر وأول محاولة ناجحه للطيران فرغم وجود عدد من المحاولات التى سبقته إلا أنه كان له السبق ف الطيران لمدة من الزمن قبل أن يقع وذلك عندما قام بإستخدام جناحين من الخشب و غطى كلاهما بالريش إلا أنه لم يستطيع الهبوط وذلك للسبب الذي عرف فيما بعد ب( عدم وجود طرف توجيه "ذيل") اذ أنه اهمل قيمة وجود الذيل لاستخدامه في عملية الهبوط وقد كان ذلك في المحاوله الثانية و التى كان عمره أثناء قيامه بها حوالى سبعون عاما تقريبا و التى كانت فى عام ٨٨٠م.
ولد فى عام ٨١٠م فى مدينة (تاكرنا) فى مقاطعة ( مالاغا ) وهى المدينة التي تم نسبه إليها وتوفي في قرطبه عام ٨٨٧م ورغم ولادتة في الأندلس (اسبانيا حاليا) الا ان جذوره تعود إلى الأمازيغ من بلاد المغرب العربي.
عرف ابن فرناس العلم فى سن مبكر فدرس الكيمياء والرياضيات والفلك بتوسع حتى نبع في كل منهم كما درس الطب والصيدلة والموسيقي والشعر و تميز فيهم جميعا حتى صار من كبار اهل العلم فى زمنه حتى أنه أصبح من علماء البلاط للدولة الأموية فى الأندلس .
لشدة اهتمامه بعلم الفلك و تميزه فيه قام بإختراع " البلانتريوم " وهى عباره عن قبه سماوية فيها محاكاه لشكل السماء بما فيها من نجوم و أجرام سماوية وسحب وصواعق وبرق داخل صاله مغلقة فى مشهد تخيلى و الجميل فى الأمر انه صنعة داخل منزله في مكان مخصص للضيوف فكان المنزل فى المساء كأنه الكون الخارجى بمجرد حلول الظلام .
كانت له عدة ابتكارات مثبته نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
١- بندول الإيقاع طبعا كان ذلك عند جمعه بين علم الرياضيات و حبه للموسيقي
٢- قام بتطوير الساعة المائية و التى كان يطلق عليها فى زمنه (الميقاته)
٣- كان اول من يستخدم العدسات لتحسين الرؤية و من هنا جاءت فكرة عمل العماره
٤- القلم الحبر كان من اختراعه حيث قام بتصميم اسطوانة دائريه مستخدما اياها كمخزن الحبر ولها نهاية مدببة ينزل منها الحبر
٥- طور العديد من الآلات الهندسية أهمها المنقله
٦- اخترع آلة اسمها "ذات الحلق" وهى أداة تستخدم في مراقبة حركة الشمس و القمر و الكواكب خلال الليل
أخيرا نقول انه ورغم اعتبار ليوناردو دافنشي الأب الروحى للطائرات الشراعية إلا أن الفضل كلة يرجع إلى عباس بن فرناس صاحب لقب (الرجل الطائر) والذى كان اول من يقوم بأبحاث رياضية و فلكية تقود إلى محاولة طيران ناجحه قبل حتى الأخوان رايت .
الخميس، 20 مايو 2021
قطز الملك المظفر قاهر المغول
الأحد، 16 مايو 2021
القعقاع بن عمرو التميمي
الجمعة، 3 يوليو 2020
صقر حروب اليمامة البراء بن مالك
البراء بن مالك |
تواجه الفريقان ، وكان تعداد جيش المرتدين أكثر من أربعين ألفاً ، اما جيش المسلمين فكان أقل من ربع هذا العدد ، فوقف مسيلمة في جيشه خطيباً وقال: دافعوا عن أحسابكم.
وقف خالد في جيشه خطيباً وقال: دافعوا عن دينكم.
التحم الجيشان في معركة يشيب لها رأس الولدان، وكان في جيش المرتدين الرَّجال بن عنفوة وهو من قوى أمر مسيلمة بشهادته فقد شهد له - كذباً - أنه سمع رسول الله يشركه في الأمر.
كان لعنه الله كان أشد على المسلمين من مسيلمة، فتن أناساً كثيرين، وفي المعركة كان يصول بسيفه ويجول، فعاجله زيد بن الخطاب فقتله.
نظر خالد إلى ميدان المعركة نظرة شاملة، فرأى المهاجرين ومعهم الأنصار وبينهم الأعراب كلهم مختلطين فأراد أن ينشط الهمم ويحثها ، فصاح بكلمة واحدة ( تميزوا) وسمع الجيش النداء، فانضم المهاجرون إلى المهاجرين، والأنصار إلى الأنصار، فثبتوا ثبات الجبال.
تراجع المرتدون أمام هجمات المسلمين واستبسالهم في المعركة، ودخلوا حديقتهم وهي حديقة محصنة بالأسوار وأغلقوا عليهم الباب، فأحاط بهم الصحابة إحاطة السوار بالمعصم .
ظن المرتدون أنهم في حديقتهم آمنون، وقدر خالد أن الحرب ستطول، لأن المرتدين فيها يدافعون.... إلى أن تقدم البراء فحسم الموقف.
حرب اليمامه ، البراء بن مالك |
رفعوه على ترس، ورفعوا الترس على الرماح، ثم قذفوا البراء من فوق سور الحديقة، فهبط عليهم من فوقهم يصيح: الله أكبر.
ذعر له المقاتلون في الحديقة في وهلتهم الأولى، وصدمتهم المفاجأة، هل هذا طائر سماوي انقض عليهم وهو يصيح صيحة النصر: الله أكبر؟
ذعر المقاتلون برهة من هول المفاجأة والبراء يعمل فيهم السيف، ثم تنبهوا إلى أنفسهم، فلم يزل يقاتلهم وينحاز إلى باب الحديقة حتى تمكن من فتحه.
دخل المسلمون الحديقة وكأنهم السيل الهدار، وصاروا يقتلون في المرتدين، وكأن قوة غيبية شلت حركتهم.
وكان مسيلمة قد التجأ إلى الجدار، وهو يرغي ويزبد لا يعقل من الخوف والغيظ، وكان في جيش المسلمين مقاتل وحربته في يده وهو يلوب باحثاً عن مسيلمة، لقد قتل بهذه الحربة سيد الشهداء، ويريد الآن أن يكفر عن ذنبه بأن يقتل أكذب الأشرار الذين ادعَوا النبوة.
تقدم وحشيٌّ بحربته فهزها، على طريقة المقاتل الذي يريد أن يسدد ضربته القاصمة، حتى إذا رضي منها، دفعها إلى قلب مسيلمة فاخترقته، ونفذت من ظهره، وسارع أبو دجانة إليه واحتز رأسه.
قتل من قتل من المرتدين، وأسر من أسر، ثم دعاهم خالد إلى الإسلام فأسلموا كلهم.
وتفقدوا البراء، فإذا به أكثر من ثمانين جرحاً بين ضربة بسيف وطعنة برمح...وقد ظل بعد المعركة شهراً كاملاً، يشرف عليه خالد بنفسه على تمريضه، وكان البراء يتمنى الشهادة، وكأن الأقدار قد خبأته ليوم ولا كيوم اليمامة.
بعد حرب اليمامة والفراغ من مسألة المرتدين، بدأت حروب العراق، وفيها الحصون الشاهقة، وقد لجأ المجوس إلى استعمال كلاليب مثبتة في أطراف سلاسل محماة بالنار، يلقونها من حصونهم فتخطف من تناله من المسلمين الذين لا يستطيعون منها فكاكاً .
وكان البراء، وأخوه أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتركَين في حرب أحد هذه الحصون، وبشكل مفاجئ، هبط أحد هذه الكلاليب وتعلق بأنس ورفعه، ولم يستطع أنس أن يمس السلسلة ليخلص نفسه منها، فأسرع نحوه أخوه البراء، وكانت السلسلة تصعد به، فقبض عليها بيديه، وراح يعالجها حتى قطعها ونجا أنس، وألقى البراء ومن معه نظرة على كفيه، فلم يجدوهما مكانهما، لقد ذهب كل ما فيهما من لحم، وبقي هيكلهما العظمي محترقاً، وقضى البطل فترة أخرى في علاج بطيء حتى يبرأ.
وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: ابعث إلى الأهواز جنداً كثيفاً وأمِّر عليهم سهيل بن عدي، وليكن معه البراء بن مالك.
تكامل هذا الجيش من الكوفة والبصرة، وعلى الجميع النعمان بن مقرِّن فانتهى إلى الهرمزان، فاقتتلا قتالاً شديداً فانهزم الهرمزان وفر إلى تُستر فلحقوا به، فوجدوه قد حشد خلقاً كثيراً فحاصروهم شهراً.
ودارت المعركة حامية كأعنف ما تكون الحروب من الفريقين، وقَتل البراء مئة مبارز غير من قتله في المعركة .
وتكررت المعارك، حتى إذا كان في نهاوند قال المسلمون للبراء، وكانوا يعرفون أنه مجاب الدعوة: يا براء ادع لنا الله أن يهزمهم ، فقال: ( اللهم انصر المسلمين واستشهدني).
قاتل البراء بن مالك الهرمزان |
أنا أُأَمِّن قاتل البراء؟........
ولما وقف الهرمزان بين يدي عمر، طلب ماء، فلما أخذ الكأس، صارت يده ترتجف وقال: إني أخاف أن أقتَل وأنا أشرب.
قال عمر: لا بأس عليك حتى تشربه. فصب الماء على الأرض.
قال عمر: أعيدوه عليه، لا تجمعوا عليه القتل والعطش.
قال الهرمزان: لا حاجة لي بالماء. قال عمر: إني قاتلك.
قال الهرمزان: إنك قد أمَّنتني قال عمر: كذبت، أنا أُأَمن قاتل البراء بن مالك؟ ثم أسلم الهرمزان.
رضي الله عن البراء في الخالدين.
الأربعاء، 27 مايو 2020
ألب أرسلان بطل معركة ملاذ
خريطة معركة ملاذكرد |
أنا الإمبراطور أرمانوس .
ثم صاح: أنا الإمبراطور أرمانوس....
ورددت جنبات القصر الصدى س س....
أسرع من سمع الصوت في القصر، فرأوا الإمبراطور وحيداً فقالوا:
أمر مولانا الإمبراطور؟
قال أرمانوس: حينما تبزغ الشمس يجب أن يكون مجلس الشيوخ منعقداً لاجتماع طارئ.
قال الحرس: أمر مولاي الإمبراطور.
وما إن ودع الظلام الكون، وفتح جفنيه لاستقبال يوم جديد، حتى كانت خطى أرمانوس تتجه إلى مقر الاجتماع في القاعة المخصصة، وكانت المقاعد كلها ملأى بأصحابها.
دخل الإمبراطور، فوقف الجميع وهم في صمت له صفير كصفير صمت الغابات في أيام الصيف وقت الضحى، حياهم الإمبراطور بالإشارة ثم جلس فجلسوا.
كانت عيون المجلس ينظر بعضها إلى بعض، وبينها لغة استغراب لهذا الاجتماع الغريب.
شاهد الإمبراطور ذلك فقطع الصمت بسعال خفيف ثم قال:
إنني صممت على أن أجهز جيشاً فيه كل مقومات النصر، حتى أستأصل الإسلام والمسلمين، وأنقذ بيت المقدس من أيديهم.
وما إن انتهى الإمبراطور من كلامه، حتى دوى في القاعة تصفيق حاد، وصاحوا كلهم بصوت واحد: يعيش إمبراطورنا العظيم، يعيش، يعيش، يعيش.
في سنة ثلاث وستين وأربعمئة، جهز الإمبراطور أرمانوس جيشاً في جحافل أمثال الجبال، وصف المؤرخون هذا الجيش فقال ابن الأثير في كتابه الكامل: كان تعداد هذا الجيش مئتي ألف جندي.
وقد فصل ابن كثير في موسوعته البداية والنهاية أوصاف هذا الجيش فقال: كان هذا الجيش من الروم والكرج والفرنج والروس، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، ومع كل بطريق ما بين ألفي فارس إلى خمسمئة فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً، ومن الغز، وهم جنس من الترك،خمسة عشر ألفاً، ومعه مئة ألف نقَّاب وحفار...ومعه أربعمئة عجلة تحمل العُدد والمسامير، وألفا عجلة تحمل السلاح والسروج والمجانيق، منها منجنيق أضخم منجنيق في عصره، يعده ألف ومئتا رجل .
وقد عزم ـ قبحه الله تعالى ـ أن يجتث الإسلام وأهله، وقد وزع الأراضي على قادة جنده حتى بغداد.... وعندما أنهى الإمبراطور استعداداته، غادر بجيشه القسطنطينية باتجاه بلاد الشام.
كان السلطان ألب أرسلان، قد رجع عن حلب، وعندما وصل إلى منطقة أذْربيجان، وصلته الأخبار عن تحرك الإمبراطور البيزنطي إلى ملاذ كرد، وسمع عن هذا الجيش وكثرته، وكان جيشه بعيداً عنه قرب بحرقزوين، فلم يستطع جمع قواته، لبعد مواقعهم وقرب العدو منهم، فسار بمن معه وعددهم لا يزيد على خمسة عشر ألف مقاتل، كلهم من الفرسان.
وكان الإمبراطور، قد جعل مقدمة لجيشه تقدر بنحو عشرة آلاف من المقاتلين الروس، وكان لجيش السلطان مقدمة، فاشتبكوا في القتال فانهزم الروس وأسر المقدم عليهم.
أرسل السلطان إلى ملك الروم يطلب منه المهادنة فأجابه الإمبراطور: لا هدنة إلا بالري، وكانت الري عاصمة السلطان، وهذا الرد يتضمن التهديد بتدمير عاصمة السلاجقة، فانزعج السلطان لهذا الرد.
وكان في الجيش، الإمام الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي فقال للسلطان:
إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب باسمك هذا الفتح، فلاقهم يوم الجمعة، بعد الزوال في الساعة التي يكون فيها الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة.
كان جيش الروم ثلاث فرق، وعندما علم الإمبراطور باقتراب جيش المسلمين، جمع جيشه وانحرف به إلى الجنوب الغربي، في محاولة منه ليلحق بمقدمة جيشه قبل أن ينقض عليه السلطان ولكنه أغفل تدابير الحيطة، فلم يرسل عناصر الاستطلاع لمسافة بعيدة، ولم يعرف أنه بات شديد القرب من أعدائه الفرسان.
لما كانت تلك الساعة من يوم الجمعة صلى ألب أرسلان وبكى فبكى الناس لبكائه، ودعا ودعَوا معه وقال لهم:
من أراد الانصراف فلينصرف، فما ههنا سلطان يأمر وينهى ثم ألقى النشاب، وأخذ السيف والرمح، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض وتحنط وقال: إن قُتلت، فهذا كفني.
وعند ظهيرة يوم الجمعة، وبينما كان الإمبراطور ينزل مع جيشه الوادي على الطريق إلى خلاط، رآهم السلطان، فنزل عن ظهر فرسه، وعفر وجهه بالتراب وبكى، وأكثر من الدعاء ثم ركب وانقض على جيش الروم، وحملت العساكر معه، فصار المسلمون في وسطهم .
إن لله جنوداً منها الرياح، إذ هبت و ملأت عيون الروم غباراً، فقتل المسلمون فيهم كيف شاؤوا، فكان الرومي يضرب بسيفه في الهواء وهو مغمض العينين، ويمد يديه ليرى بهما دربه، والسيوف تعمل فيهم والرماح، ولا تطول يد رومي لفارس على ظهر فرسه .
وأنزل الله نصره على المسلمين، فانهزم الروم وقتلوا كلهم في الهزيمة ولم ينج إلا الشريد الفارس، حتى امتلأت الأرض بجثث القتلى.
انتهت المعركة، ووقف أرمانوس بين يدي السلطان ألب أرسلان، وفي يديه القيود وجرى الحوار التالي:
السلطان: لو كنت أنا الأسير بين يديك، فماذا كنت تفعل؟
الإمبراطور: كل قبيح.
السلطان: فما ظنك بي؟
الإمبراطور: تقتلني أو تشهرني في بلادك، أما العفو وأخذ الفدية فبعيد. السلطان: ما عزمت على غير العفو والفداء.
افتدى الإمبراطور العظيم نفسه بألف ألف وخمسمئة ألف دينار، وأن يطلق كل أسير في بلاد الروم، وعلى هدنة خمسين سنة، يحمل فيها كل يوم ألف دينار، ثم قبَّل أرمانوس العظيم الأرض بين يدي السلطان.
كان السلطان عادلاً، شديد الحرص على مال الرعية بلغه أن غلاماً من غلمانه أخذ إزاراً لبعض التجار فصلبه، فارتدع سائر المماليك خوفاً من سطوته.
واستشهد بعد سنة من هذه المعركة، وله من العمر إحدى وأربعون سنة، وقد لقب البطل ألب أرسلان سلطان العالم.
رحم الله قائد معركة ملاذ كرد، قاهر أولى الحملات الصليبية، وسقاه شآبيب رضوانه.
الثلاثاء، 26 مايو 2020
قتيبة بن مسْلم فاتح الشرق
كان قتيبة والياً على مرو وخراسان، أي منطقة إيران اليوم وأفغانستان وما جاورها من بلاد تلك المناطق .
في سنة ست وثمانين للهجرة النبوية ، غزا قتيبة بلاداً كثيرة من أرض الترك وغيرهم ، وصالح ملكهم "نيزك" على مال جزيل على أن يطلق مَن في بلاده من أسارى المسلمين.
تتجلى عبقرية هذا القائد في غزوة بيكند ولها شأن عجيب؛ حيث اجتمع عليه من الترك عندها بشر كثير، وهي من أعمال بخارى .
لما نزل قتيبة بأرضهم استنجدوا عليه بأهل الصغد ومن حولهم من الأتراك، فأتوا في جمع عظيم، وأخذوا على قتيبة الطرق كلها، فتواقف هو وهم قريباً من شهرين، وهو لا يقدر على أن يبعث إليهم بريداً، ولا يأتيه من جهتهم البريد، وأبطأ خبره على الحجاج حتى خاف عليه، وأشفق على من معه من المسلمين من كثرة الأعداء من الترك، فأمر الناس بالدعاء لهم في المساجد، وكتب بذلك إلى بقية البلدان.
وكان لقتيبة عين من العجم يقال له: تُندَر، ينقل إليه الأخبار، فأعطاه أهل بخارى مالاً جزيلاً على أن يخذل قتيبة عنهم، فجاء إليه وقال له: أريد أن أكلمك على انفراد، فلما خلا تندر بقتيبة قال له: سيأتيك البريد بخبر عزل الحجاج، فلو انصرفت بالناس إلى مرو.
لقد كانت بديهة قتيبة سريعة في معالجة هذا الموقف، إنه خبر سيضعف من عزيمة الجند سواء أكان الخبر صادقاً أم كاذباً، ولم يتريث ليبحث في صحة الخبر أو عدم صحته، وسواء وصل العامل الذي يحمل الخبر بعزل الحجاج أم لم يصل، إن مجرد إشاعة الخبر بين الجنود سيفتك فيهم فتك الوباء الأصفر الذي لايبقي ولا يذر، في هذا الموقف العصيب، فكيف تصرف قتيبة في هذه اللحظة الحرجة؟
إنه موقف يعلِّم الذكاء، والفطانة والبداهة لا في الحياة العسكرية للكبار، بل في كل موقف من مواقف للكبار وللصغار.
نادى قتيبة مولاه سياه، ولم يعرف سياه الخبر، دخل على قتيبة وقال: أمر مولاي. قال قتيبة: اضرب عنقه بالسيف، وأشار إلى الخائن تندر فضرب عنقه بالسيف وقتله.
لم يكتف القائد بدفن الخبر القاتل لمعنوية الجيش الإسلامي، بل أتبعه بما يجب أن يكون، حيث نهض في الجيش فحرضهم على الحرب، ووقف على أصحاب الرايات يشد من عزائمهم، فارتفعت معنوية جنده، وهجموا على عدوهم أسوداً.
تعجب الأعداء من تحول الموقف، ورأوا أن اندفاعهم إلى القتال، وراءه سر غريب، هل وصلهم مدد خُفية وهم لا يدرون؟ هل وصلهم نبأ بالمدد؟ هل تآمر معهم قسم من أهل البلد؟ هل اشتروا ضمائر بعض الجند منا سيتركوننا وينضمون إليهم والمعركة دائرة؟
وربط الله على قلوب المسلمين، وثبتهم وأمدهم بالتأييد فما انتصف النهار إلا وأنزل عليهم النصر، فهزمت الترك هزيمة عظيمة، وتبعهم المسلمون يقتلونهم ويأسرون منهم كيفما شاؤوا .
واعتصم من بقي منهم في داخل المدينة، فأمر القائد قتيبة بهدمها، فسألوه الصلح على مال عظيم ، فصالحهم وجعل عليها رجلاً من أهله، ثم عاد ، لما سار غير بعيد حتى نقضوا العهد وقتلوا الأمير وجدعوا أنفه ، وأنوف من كانوا معه .
رجع إليهم وحاصرهم شهراً، وأمر النقابين، فأضرم النار في الأسوار فسقط السور، فسألوه الصلح فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) ولم يزل بهم حتى فتحها، فقتل المقاتلة وسبى الذرية وغنم الغنائم العظيمة.
وكان الذي حرض أهل المدينة فيهم رجلاً أعور ، فأسر فقال:
أنا أفدي نفسي بخمسة أثواب صينية قيمتها ألف ألف درهم .
فأشار الأمراء على قتيبة بقَبول ذلك العرض المغري، حتى يتقوى بهذه الأموال على الأعداء فقال قتيبة:
لا والله لا أروع بك مسلماً مرة ثانية، وأمر به فضربت عنقه.
وغنم المسلمون من بيكند شيئاً كثيراً من آنية الذهب والفضة والأصنام من الذهب، فقوي المسلمون بهذه الأموال قوة عظيمة.
كان قتيبة لا يعرف الراحة، ولا الاستقرار في حروبه كلها، كان لا ينام ولا يكل ، كل يوم يتأهب لغزو جديد، فبعد معركة بيكند، تابع البطل جهاده بأن غزا الملك " كور مغانون " ابن أخت ملك الصين الأكبر، ومعه مئتا ألف مقاتل من أهل فرغانة وغيرهم .
وكان مع قتيبة نيزك ملك الترك مأسوراً وكان قد صالح قتيبة، ثم نقض الصلح ودعا لقتاله كثيراً من الملوك، وكثير منهم كانوا قد انكسروا أمام قتيبة وصالحوه، فنقضوا العهد، وصاروا يداً واحدة على قتيبة، فلقيهم وقتل منهم مقتلة لم يسمع بمثلها في تاريخ تلك البلاد منذ أن كانت، وصلب منهم سماطين مسافة أربعة فراسخ من هنا وههنا.
تابع البطل القائد قتيبة سيره إلى سمرقند، فلما سمع به أهلها، انتخبوا منهم كل شديد السطوة من أبناء الملوك والأمراء، وأمروهم أن يسيروا إلى قتيبة في الليل فيفاجئونه .
لكن قتيبة كان قد اتخذ جهاز استخبارات في صفوف العدو، يخبرونه بتحركاته في الوقت المناسب، فجاءته الأخبار بذلك، فكلف أخاه صالحاً في ستمئة فارس من الأبطال الذين لا يطاقون .
وكان لصالح في مسيره الليلي طلائع تكشف العدو حتى لا يفاجأ، كما كان له من يحمي مؤخرة الجيش من حركة انقضاض مباغت، وكان الدرب وعراً شديد التعرج، ناتئ الصخور، وقد استعد كل واحد من الأعداء أن يقفز على فارس من فرسان المسلمين في الظلام، فكان فرسان المسلمين على أهبة الاستعداد، فما إن هجم الأعداء حتى تلقتهم السيوف، واقتتلوا فلم يفلت منهم إلا الطريد الشريد، وهم قلة، وكانوا من الأبطال المعدودين الواحد منهم يعد بمئة فارس، وبعضهم بألف فارس .
روعت سمرقند لهذه الكارثة التي حلت بها، وسار قتيبة ليفتحها ومعه من الترك من يقاتل معه ، ولما اقترب من المدينة العظمى سمرقند نصب عليها المنجنيق ورماها به، فأرسل إليه ملك الصغد غوزك يقول:
إنك تقاتلني بإخوتي وأهل بيتي من الترك، فأخرج إلي العرب، فميز قتيبة العرب من العجم، وقدم الشجعان منهم، وزحف بهؤلاء الأبطال إلى المدينة، ورماها بالمجانيق فكُسر فيها جدار ، وقام رجل من الترك على الأسوار فجعل يشتم قتيبة، فرماه أحد الجنود المسلمين بسهم فقلع عينه حتى خرج السهم من قفاه، فأعطى قتيبة الذي رماه عشرة آلاف.
ولما أصبحوا صالحوه على ألفي ألف ومئتي ألف يحملونها إليه في كل عام، وعلى أن يعطوه مئة ألف من رقيق، وعلى أن يأخذ حلية الأصنام وما في بيوت النار، وعلى أن يخلوا المدينة من المقاتلة وأن يبني فيها مسجداً ويوضع له فيها منبر يخطب عليه، فأجابوه إلى ما طلب، ثم جمع الأصنام وأمر بتحريقها .
فقال له الملك: من أحرقها هلك فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، ثم أخذ شعلة، ثم قام إليها وهو يذكر الله تعالى، وألقى فيها النار فاحترقت، فوجد من بقايا ما كان فيها من الذهب خمسين ألف مثقال.
ثم ارتحل إلى بلاد مرو، واستخلف على سمر قند أخاه عبد الله ، ثم غزا قتيبة ما وراء نهر سيحون، وهي بلاد الشاش وفرغانة حتى بلغ خُجندة وكاشان، وما زال يتقدم في بلاد ما وراء النهر في أفغانستان اليوم حتى وصل إلى كابل فحاصرها، ثم خرج إليه الترك في جموع هائلة، وقاتلوا قتال الأبطال.
في سنة ست وتسعين، فتح قتيبة كاشغر من أرض الصين ، ومرة ثانية، بعد موت الخليفة الوليد بن عبد الملك وتولي أخيه سليمان، ينْكب العالم الإسلامي بعد محمد بن القاسم الثقفي، ببطل آخر هو قائدنا العظيم، ويلقى مصيره، بسبب أمور شخصية تافهة.
رحم الله القائد العظيم فاتح الشرق، قتيبة بن مسلم، ولا يزال اسمه يملأ النفس إكباراً وإجلالاً في صفحات التاريخ.
المشاركات الشائعة
-
معركة أليس (معركة نهر الدم).... من أكثر المعارك جدلا في التاريخ الإسلامي 25 صفر 12هـ كانت الصدمة الشديدة والصفعة القوية التي نالت...
-
الصحابي عبد الله بن عمر ( المثابر, الأوّاب ) تحدّث وهو على قمة عمره الطويل فقال: "لقد بايعت رسول الله صلى الله عليه ...
-
معركة القادسية 15هـ /636 م جيش المسلمين 32 ألف مجاهد جيش الفرس المجوس ربع مليون مقاتل ومعهم 33 فيلا ابرز قادة المسلمين سعد بن أبي وق...
-
البراء بن مالك البراء بن مالك ارتدت العرب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحت الجزيرة العربية، كأنها بحر يموج بالمرتدين، ولم...
-
القعقاع بن عمرو التميمي ( لا يُهزم جيش فيه مثل القعقاع) في معركة ذات السلاسل كان عدد المجوس أضعاف عدد المسلمين، ومع ذلك و قد ربطوا أنفسهم ...
-
السلطان سليمان القانوني واليهودي السلطان سليمان في استانبول وعندما بلغت الدولة العثمانييه اقصي اتساع لها واوج مجدها وعصرها الذهبي...
-
الملك المظفر قطز قاهر المغول التتار في عين جالوت قامت جحافل القائد المغولي التتري جنكيز خان باكتساحها الساحق في المشرق، وفي سنة واحدة اكتسح...
-
يوم أذلت فيه اوروبا كلها كان سقوط بلغاريا وقبول مانويل للشروط القاسية من السلطان العثماني بايزيد، بمثابة جرس الإنذار القوى لكل الأ...
-
أبوالدرداء ( حكيم الأمة ) بينما كانت جيوش الإسلام تضرب في مناكب الأرض.. كان يقيم بالمدينة فيلسوف عجيب .. وكان لا يفتأ يقول لمن حو...
-
أبو سفيان بن الحارث ( من الظلمات إلى النور ) انه أبو سفيان آخر, غير أبو سفيان بن حرب وان قصته هي قصة الهدى بعد الضلال.. والح...